التخطي إلى المحتوى

واقعة -البيحر».. ماذا بعد التمهيد الاستخباراتي الإسرائيلي في لبنان؟

أثبتت العمليات النوعية الإسرائيلية، ضد حزب الله، في جنوب لبنان، حجم التغيير الذي طال قواعد الاشتباك التقليدية، ودخول المعارك بين الجانبين لمرحلة جديدة من الصراع، لا يعتمد بشكل كبير علي العنصر البشري، بل على التفوق الاستخباري معلوماتيا وتكنولوجيا، واستخدام النانو تكنولوجي، غير المرئي، والذكاء الاصطناعي، مدعوما بعنصر المفاجأة، ما يؤشر للتصعيد العسكري على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، بين حزب الله من جهة، وقوات الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.

وبادر حزب الله في 24 يوليو الماضي، ببث مجموعة من الصور وفيديو، عادت بها طائرته المسيّرة (الهدهد) تظهر عمليات استطلاعية من قلب إسرائيل، وقال الحزب حينها: إن الفيديو يصور قاعدة، رامات دافيد، الجوية، التي تضم مقاتلات حربية، ومروحيات قتالية، وطائرات النقل والإنقاذ، وطائرات الاستطلاع، يظهر تفاصيل القاعدة الإسرائيلية من الداخل، خصوصاً مراكز الطائرات وخزانات الوقود ومنصات القبة الحديدية والمدرجات ومراكز القيادة وأسماء القادة مع سيرتهم الذاتية ومساكن الضباط ومراكز الذخيرة ورادار الملاحة وكلية الطيران وكل تفصيل دقيق أيضاً، كذلك لفت إلى أن هناك مسحا ليليا للقاعدة.

في المقابل، فاجأت إسرائيل الحزب (الموالي لإيران) بالقدرة بعدد من العمليات التي يغلب عليها الطابع الاستخباري، أهمها سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات بارزة في الجناح العسكري للحزب: إبراهيم عقيل، الرجل الثالث في المنظومة العسكرية للحزب، وقبله، فؤاد شكر، الرجل الثاني في المنظومة نفسها، في 30 يوليو الماضي، كما طالت الاغتيالات الإسرائيلية حوالي 20 قيادياً من قادة فرقة الرضوان (طليعة الجناح العسكري في حزب الله، ونخبته المقاتلة) وعمليات أخرى في مربع الحزب، بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، بيروت، فيما تتواصل تهديدات الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، لإسرائيل، بالرد المناسب!

يعد إبراهيم عقيل (الملقب بـ: الحاج تحسين) الرجل الثاني في المنظومة الأمنية العسكرية لحزب الله، كونه قائد العمليات، الذي رصدت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة قدرها 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إليه، بحجة أنه كان عضواً رئيسياً في تنظيم الجهاد الإسلامي، الذي تبنى استهداف السفارة الأمريكية في بيروت، مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ما تسبب في مقتل 63 شخصاً، وخدم في المجلس الجهادي (أعلى هيئة عسكرية في حزب الله) وصنفته الخارجية الأمريكية، كإرهابي عالمي.

جاء اغتيال، إبراهيم عقيل، عقب يوم واحد من حديث حسن نصر الله، واعترافه بتعرض الحزب لضربة كبيرة وغير مسبوقة علي خلفية تفجيرات أجهزة البيجر، وبعدها أجهزة التوكي ووكي، التي استخدمها حزب الله بديلاً عن أجهزة المحمول بعد تعرضه لسلسة من الاختراقات السيبرانية، واغتيال عدد كبير من القادة والكوادر الحزبية، ورد حزب الله بقصف مقر تابع للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، المسئولة عن الاغتيالات، كما استهدف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في ثكنة بيريا بصليات بصواريخ الكاتيوشا، كما قصف مقر قيادة لواء المدرعات 188 التابع للفرقة 36 في ثكنة العليقة بصليات بصواريخ الكاتيوشا ومقر الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع بصليات بدفعات من صواريخ الكاتيوشا.

نفذت إسرائيل عملية نوعية عبر تفجير نحو 3000 من أجهزة البيجر (أجهزة اتصال، مخصصة للتنبيه) من أصل 4 آلاف جهاز، استشهد على إثرها أكثر من 37 شخصاً من عناصر حزب الله، وأصيب أكثر من 3 آلاف بإصابات بالغة أدت لفقدان البصر، وبتر الأطراف، وفاق عدد الإصابات في العيون قدرة المستشفيات اللبنانية، كما أصيب نجل المسئول الأمني في حزب الله، وفيق صفا، وعدد من مرافقي، حسن نصر الله، فيما قتل مهدي عمار (نجل البرلماني في الحزب، علي عمار).

في يوم لاحق لتفجير أجهزة البيجر، حدثت انفجارات متزامنة لعدد كبير من أجهزة التوكي ووكي (أجهزة الاتصال اللاسلكي) تستخدمها كوادر حزب الله، خوفا من الاختراقات التي قد تسببها الأجهزة المحمولة، مخلفة دماراً ووفيات وحرائق تفوق انفجارات أجهزة البيجر. ووصف حسن نصر الله الهجمات بأنها ضربة كبيرة تلقاها الحزب أمنياً وإنسانياً، وغير مسبوقة في تاريخ لبنان، وأن إسرائيل كانت تتعمد قتل 4000 شخص في دقيقة واحدة، وأن العدو الإسرائيلي تجاوز كافة الخطوط الحمر وأن الجبهة المفتوحة في لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان علي غزة.

والبيجر هو جهاز إلكتروني صغير، ويستخدم لاستقبال الرسائل القصيرة، ويعتمد على الإشارات اللاسلكية، ويستخدم للتواصل السريع في حالات الطوارئ، ويستخدمه الأطباء وأجهزة الأمن والشركات وقليل من الأفراد، وهو نوعان، نوع يستقبل ويرسل، وآخر للاستقبال فقط، وأنتجته أول مرة شركة تيليكوم البريطانية في سبعينيات القرن الماضي. وبحسب تقرير لشركة الأبحاث (cognitive) فقد بلغت مبيعات أجهزة البيجر عالمياً نحو 1.6 مليار دولار في عام 2023، وبلغت مبيعاته في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، نحو 64 مليون دولار خلال عام 2023.

تتعدد الفرضيات حول تنفيذ التفجيرات التي قامت بها إسرائيل: أولاها تمكنها من اختراق خوادم الاتصالات لدى حزب الله، قبل إرسال شفرة التفجير لأجهزة الاتصالات اللاسلكية. ثانيها، قيام جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بزرع ألواح متفجرة داخل أجهزة البيجر، تتلقى شفرة يصعب اكتشافها، حتى باستخدام أجهزة المسح الضوئي وغيرها، من خلال تعديل الأجهزة في مرحلة الإنتاج، وأن ما يصل إلى 3 جرامات من المتفجرات (مادة petn) شديدة الانفجار، كانت مخبأة في أجهزة الاتصال بجوار البطارية، ولم يكتشفها الحزب.

من بين الفرضيات حول تنفيذ التفجيرات التي قامت بها إسرائيل: نجاح إسرائيل في اختراق موجة البث وإرسال حمل زائد من الرسائل أدى لانفجار البطارية، وفرضية رابعة: استبدال شحنات الأجهزة بأجهزة أخرى مقلدة، فخخها الموساد الإسرائيلي، قبل أن تصل لحزب الله، بتواطؤ من الشركة الشاحنة وهي شركة تايوانية (جولد أبولو) التي تقول إنها غير مسئولة عن تلك الشحنات، وأن شركة أخرى (بي إيه سي) تعمل في العاصمة المجرية، بودابست، تحمل علامتها التجارية، هي من وردت الشحنة.

يتردد أن شركة أخرى من بلغاريا (Norta Global Ltd) تورطت في صفقة أجهزة البيجر التي انفجرت مؤخراً في عناصر تابعة لحزب الله. أفادت صحيفة، ديلي ميل، بأن النرويجي، رينسون يوسي، مالك الشركة البلغارية المتورطة، اختفى، يوم واقعة التفجير، وأنه غادر شقته بإحدى ضواحي أوسلو، يوم 17 سبتمبر، وتوجه في رحلة عمل مخططة، ولم تتمكن إدارة المجموعة الإعلامية النرويجية (NHST) صاحبة عمله الرئيسية من الاتصال به.

تقدم لبنان بطلب عاجل لانعقاد مجلس الأمن، لبحث الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، فيما يخص انفجار أجهزة البيجر في لبنان، وانعقدت جلستان أحدهما مفتوحة حول الشرق الأوسط، والأخرى مغلقة حول لبنان، لبحث الأمر، وطالب فيها رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، مجلس الأمن باتخاذ موقف حازم ضد الاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة على لبنان، فيما يزال السؤال المطروح: ماذا بعد التمهيد الاستخباراتي الإسرائيلي في لبنان، بعملية البيجر؟

اقرأ أيضاًالرد على البيجر

مصطفى بكري: رد قوي من حزب الله على عملية البيجر وتوقعات باجتياح إسرائيل لـ لبنان بريا

واقعة -البيحر».. ماذا بعد التمهيد الاستخباراتي الإسرائيلي في لبنان؟

رابط مصدر المقال